تحليل تكتيكي: ريال مدريد 4-2 بايرن ميونيخ



    تطور كرة القدم في السنوات الأخيرة أعاد تعريف أهمية وسط الملعب كموقع استراتيجي يمكن من خلاله التحكم في المباراة. وبالتالي، تحول  بناء  اللعب أبعد وأبعد من ذلك: أصبح دور حارس المرمى وقلوب الدفاع في توليد التفوق بإخراج الكرة بنجاح من الدفاع لا غنى عنه، وأكثر وأكثر على جانبي الميدان: إذا صعبًا على نحو متزايد العثور على المساحة في وسط الملعب فمن الطبيعي أن يتم توجيه تدفق اللعب من البداية على الطرفين. من المألوف الآن، بالنسبة لكمية الكرات التي تلعب، أن الظهيران لاعبان أساسيان لفرقهم في البناء الأول.
وفي تحدي حقيقي للمفهوم، على الرغم من أنهم من أفضل لاعبي الوسط في العالم، رفض ريال مدريد وبايرن ميونيخ السيطرة على وسط الميدان، وبالتالي خلق ذلك مباراة مذهلة ومثيرة. كانت مباراة إياب دور ربع النهائي التي لعبت الليلة الماضية في سانتياغو برنابيو مليئة بالانتكاسات والتقلبات، تتخللها لحظات عندما سيطرت استراتيجية فريق على الآخر دون أن يكون لأي منهم سيطرة حقيقية على اللعبة.


من المثير للاهتمام أن نشير لماسة وسط ريال مدريد -إيسكو أخذ مكان بيل المصاب وتمركز كصانع لعب "تريكوارتيستا" وراء كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما- في 4-3-1-2 وخلق الترابطات كما في الشكل النموذجي للفريق 4-3-3: لم يستخدم زيدان التفوق العددي الذي تضمنه للسيطرة على الكرة ووسط الميدان، ولكنه استخدم إيسكو كرجل حر، والتحرك في منطقة الكرة لتسهيل التقدم في الملعب.
كان صانع الألعاب الإسباني مهمًّا بشكل خاص في الربط بين المراحل الأولى من العملية، وخلق التفوق وراء الضغط الأول من بايرن، ولكن كان له تأثير محدود في الثلث الأخير.

وهناك دور مشابه لبنزيما، كما في المباراة الأولى، وابتعاده عن منطقة الجزاء (تسديدة واحدة) ومساعدة الفريق في لمساندة الاستحواذ مع حركته المستمرة في دعم ناقل الكرة. عمل غامض غالبًا ما يتم التقليل من أهميته:  حركات الربط من الفرنسية، لتوسيع أو خفض الاستلام من لاعبي الوسط هي في كثير من الأحيان المفتاح الذي يسمح لزملائك في الفريق أن يكون لديهم فرصة للتسجيل.
وباختصار، في حين تغير الشكل مبادئ لعب مدريد لم تتغير: لم يرتكز اللعب على الوسط في بناء اللعب، ولكن سهل ببساطة البناء على الجناح وضمان رجل حر لتجاوز ضغط بايرن والانتقال من جانب إلى آخر.
ليس مستغربًا أن اللاعبين الذين لمسا العديد من الكرات كانا الظهيرين مارسيلو وكاربخال.

*كانت استراتيجية بايرن الهجومية مماثلة للمباراة الأولى: فريق كارلو أنشيلوتي تجنب باستمرار وسط الميدان، وذلك باستخدامه فقط كأساس لتغيير اللعب، ومحاولة مفاجأة مدريد على الجانبين. تغيير شكل فريق زيدان، جعل  هذا الاختيار أكثر منطقية: جعلت ماسة خط الوسط المهمة أكثر صعوبة في تغطية عرض الملعب وتغيير اللعب لذلك كان أسرع وأسهل حل لتمكين سلاسل الجانبية من المناورة قبل عودة إيسكو إلى أحد الطرفين (ولا سيما اليسار) لتحقيق توازن الفريق في المرحلة الدفاعية.

بالضبط كما المواجهة الأولى، تقدم ألابا فورًا للسماح لريبيري للدخول في وسط الميدان، في حين بقي روبين في الجانب الآخر على نطاق أوسع ليتم عزله ضد مارسيلو. المواقف غير المتماثلة للام وألابا أثرتعلى لعب بايرن حيث سيكون بواتينغ في التمرير على الفور إلى القائد، في حين يضطر هوميلز للتمرير إلى خط الوسط أو البحث مباشرة عن ريبيري لبدء العملية.
ولكن يجب الإشارة أيضًا إلى أن عودة روبيرت ليفاندوفسكي لم تخدم تطوير لعب بايرن، الذي لم يستخدم حقا كمهاجم مساند في اللعب. شارك المهاجم البولندي متأخرًا في المناورة، واحتل المنطقة الأكثر ضعفًا في دفاع مدريد، المتواجدة بين كاربخال وناتشو، لإبعادهما عن ألابا وريبيري وتسهيل استلامهما الكرة. مع مثل هذا التغيير في اللعب الموجه نحو المناورة واستغلال الترابطات بين الجناح والظهير وليس الربط بين تياغو وليفا أيضًا، فشل الرقم 9 في التأثير على المباراة.

*ومع ذلك، تمكن ليفاندوسكي من ترك بصمته على المباراة يتنفيذه ركلة الجزاء بنجاح في 1-0، وهو وقت مهم خصوصًا بالنظر إلى أن حتى تلك النقطة كانت استراتيجية مدريد تسود على بايرن ميونيخ: مساهمات إيسكو وخط الوسط والقدرة على احتواء خطورة بايرن على الطرفين، وفريق زيدان كان أقرب لافتتاح النتيجة.
وبالتالي مع تبقي 45 دقيقة والحاجة إلى تسجيل هدفين، لعب أنشيلوتي الكل للكل، وتحويل مثلث خط الوسط من 4-2-3-1 إلى 4-3-3 لاستراتيجيته وإضافة عنصر من عدم القدرة على التنبؤ المضمون من خلال انطلاقات الـbox-to-box فيدال، حتى لو كان ذلك يعني تشابي ألونسو فقط وعدم توازن الفريق. تقدم المحارب التشيلي من نصف المساحة الايمن وتحركاته العمودية التي جلبت فورًا فوائد تحرير روبين من موقفه الواسع على الجانب وتقريبه من ريبيري، ألابا و ليفاندوسكي.

وقد صنع بايرن فرصة عظيمة أنقذها مارسيلو على الخط وبعد ثواني، طوَّر العملية الموالية، حيث فاز روبن بركلة جزاء أعادت فتح التأهل.

في هذه المرحلة، تغيرت المباراة واستراتيجية بايرن عادت إلى السيطرة على تلك التي لمدريد. ثم تخلى زيدان نهائيًا عن البحث عن المراوغة للخروج من ضغوط البافاريين وقرر التغيير: خروج إيسكو وبنزيما لإفساح المجال لماركو أسنسيو ولوكاس فاسكيس والانتقال إلى 4-1-4-1، ليتم وضعهما على الجناحين من أجل ضمان تغطية أكبر والاستفادة من المساحة خلف ظهيري بايرن فورًا بعد استعادة الكرة.

استجاب أنشيلوتي من خلال التخلي عن تشابي ألونسو لإشراك مولر والسياق الجديد كان يبدو في صالح مدريد. تنازل المدرب الإيطالي عن لاعب في خط الوسط مما جعل مودريتش يثير ضغط بايرن وفتح ثغرة في خط الوسط لتحرير كازميرو.  تحول رونالدو كمهاجم صريح في موقف دائم، لذلك أعاد المباراة إلى التعادل.


*يبدو أن السيناريو شوهد العديد من المرات السابقة منذ جلوس زيدان على مقاعد بدلاء مدريد: فريقه على وشك الانهيار، وبدلًا من ذلك دائمًا ريال مدريد قادر على العثور على الأسلوب الصحيح للتحفيز النفسي والتقني والتكتيكي في المباراة.
أخطاء كاساي ستغير بالتأكيد سياق المواجهة وتفتح الطريق أمام التأهل السابع على التوالي إلى الدور قبل النهائي  لريال مدريد -رقم قياسي. وهذه ليست المرة الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، مباراة جميلة لعبت مع حماس من قبل اللاعبين وتدار ببراعة من قبل المدربين تتأثر في نتيجتها النهائية من قبل  أخطاء التحكيم. نحن لا نستطيع أن نفعل أي شيء وطالما لن يتم تخفيض نسبة الحالات بطريقة ما -التكنولوجيا الحديثة- وهذا ليس المكان المناسب للحديث لإسهاب عن ذلك، علينا أن نعتبره كجزء من اللعبة.

خلاصة

ولكن بعيدًا عن أخطاء التحكيم. هنا، كما هو الحال مع نابولي في إياب دور الـ16، فإن أفضلية الميرينغي في المباراة الأولى لم يجعله يتجنب عودة محتملة. ولكن زيدان تمكن من التوفيق بين عدم السيطرة على المباراة مع إدارة اللحظات المختلفة.
أداء في كل مرة مع ثقة لا حدود لها وأنه عاجلا أو آجلا سوف يحدث شيء من شأنه أن يحول المباراة لصالحه -رأسيات راموس أيضًا- حتى عندما يبدو أن كل شيء يشير إلى خلاف ذلك. في مواجهات خروج المغلوب هذا الثقة ربما تكون أكثر قيمة من أي صفات تكتيكية أو تقنية.
على الجانب الآخر، توقف مسار بايرن أنشيلوتي في ربع نهائي، بعد توقفه دائمًا مع غوارديولا في نصف النهائي ثلاث سنوات -والخصم دائمًا إسباني. ومع ذلك، لن يكون من العدل أن نحكم على الموسم الأول والاقتصار على الإشارة إلى المسار في دوري أبطال أوروبا -حيث أنه من غير العدل الحكم على عمل غوارديولا على نفس الأساس- إذا لم يكن هناك سبب آخر لأنها منافسة تتقرر حقًّا على تفاصيل صغيرة جدًّا.

للتواصل مع (شرف الدين عبيد) عبر تويتر  - اضغط هنا
@charafed09

وللتواصل مع شرف الدين عبيد عبر صفحته على الفيس بوك اضغط هنا
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا
abuiyad