تحليل تكتيكي: برشلونة 3-1 يوفنتوس


  كلنا انتظرنا هذه المباراة الكبيرة التي كانت فعلاً كما توقعنا. كلا المرشحين لنيل اللقب اعتمدا على لاعبيهم المميزين وطريقة اللعب المعتادة. برشلونة تقدم في النتيجة في وقت مبكر جدا بفضل رجل المباراة، إنييستا الذي وجد راكيتيتش بتمريرة جميلة في منطقة الجزاء. يوفنتوس استعاد تماسكه بعد ذلك وسجل هدف التعادل ليبقي على الإثارة حتى النهاية، لكن بوجود ثلاثي هجومي مثل الذي يمتلكه برشلونة فترك فرصة عمل مرتدات هجومية مباشرة كان أمرا سلبيا في استراتيجية اليوفي.



تشكيلة برشلونة: كعادته يشرك لويس إنريكي نفس التشكيلة الأساسية المعتادة بطريقة 4-3-3 في ظل جاهزية كل اللاعبين. حراسة المرمى كالعادة للألماني تير شتيغن بينما الدفاع يتكون من بيكي-ماتشيرانو في القلب ألفيش-ألبا ظهيرين، بوسكيتش في الارتكاز وراكيتيتش وإنييستا على الجهتين اليمنى واليسرى والهجوم الثلاثي ميسي-سواريز ونيمار.



تشكيلة يوفنتوس: من جانبه ماسيميليانو أليغري يستمر بطريقة الماسة في الوسط 4-3-1-2 التي تصبح 4-4-2. قلب الدفاع تكون من بونوتشي وآندريا بارزالي الذي كان بديل كيليني الغائب للإصابة، ليشتشتاير وإيفرا كظهيرين. آندريا بيرلو في الارتكاز كصانع لعب متأخر "ريجيستا" وعلى جانبيه ماركيزيو على الجهة اليمنى وبوغبا على اليسرى، فيدال خلف ثنائي الهجوم موراتا-تيفيز.


الدقائق الست الأوليات أظهرت شكل المباراة. اليوفي كان يحاول من البداية أن يقوم بالضغط العالي، بالتركيز على ماتشيرانو وبيكي مع تقدم ليشتشتاينر وبالتالي كان يضغط بأربعة لاعبين على دفاع برشلونة. من البداية جعل ذلك بشكل مباشر اليوفي يقوم بأول فرصه في المباراة. ردة فعل برشلونة لم تكن سيئة، بإشراك تير شتيغن الذي كان يقوم بتمريرات في مساحات لا يكون قريب منها أي لاعب من الخصم وبإمكانه بدء هجمات سريعة وخطيرة. لكن مع تقدم المباراة، نادرا ما شاهدنا الضغط العالي من الفريق الإيطالي.



بينما تنظيم الماسة نجح في حالة الضغط العالي، إلا أنه وجد صعوبة أمام في الضغط على وسط البرسا. مع أول هجمة منظمة من الوسط، الأفضلية انتقلت مباشرة لبرشلونة

بينما لاعبو الكطلان يستفيدون من المساحات المفتوحة على الأطراف. المدافعون كانوا متماسكين جيدا ونيمار -وفي مناسبات ميسي- يتحول للوسط مع ترك الظهير يتقدم.

فلنلاحظ تقدم فيدال حتى يصبح في الخط الهجومي وإيفرا يتحول بالقرب من ثلاثي الوسط مما يظهر يوفنتوس في شكل 3-4-3 ومساحات على الأطراف مفتوحة أمام برشلونة

  وسط يوفنتوس كان يتحول ما بين اليسار واليمين في كل كرة مع محاولة برشلونة إيجاد مساحة في العمق. قبل أن نصل لنتيجة 1-0، -بعد تدوير الكرة من اليمين لليسار ثم اليمين- كل لاعبي الوسط والجناحان في الخلف قبل تمرير ميسي لألبا في الجانب الآخر وبالتالي الدفاع كان في عدد متساوي تحت الضغط العالي –رغم تواجد 10 لاعبين من اليوفي قبل وصول الكرة لميسي.



أيضاً لم تكن مصادفة أن الهدف من تمريرة لإنييستا إلى راكيتيتش. فلاعبا المركز رقم 8 دائما ما ينتظران اللحظة المناسبة، من أجل ملء الفراغات بين وسط ودفاع الخصم، وأخذ الأفضلية في المساحات المفتوحة بعد إعادة التمركز. مشاركتهما في وسط الملعب كانت مهمة ومركزة.



يوفنتوس باللعب بطريقة 4-4-2 في الدفاع، كان لديه كل اللاعبين في الخلف في الحالة الدفاعية، من أجل محاولة تقليص المساحات أمام برشلونة. اللعب بشكل قريب للمرمى، يتيح لبرشلونة فرصة لعب الكرة لطرف ثم التغيير من جانب لآخر، والهدف جعل دفاع يوفنتوس أقل تماسكا وتقاربا.



بتركيز يوفنتوس على إبقاء الفريق متماسكاً وإبعاد الخصم عن العمق، اليوفي في هذه المناطق يحاول أن يكون أكثر عددا من برشلونة. إن كان هناك ستة لاعبين من الخصم في منطقة، فاجعل 7 لاعبين من فريقك هناك، أين يتم توقع تواجد 4 لاعبين ويتوفر لك 3 أو 4 يكون من اللازم جعل لاعب يغير مركزه، ومثال على ذلك يمكن أن نرى إيفرا يترك مركزه -ويجعل دفاع يوفنتوس بثلاثة لاعبين- لمساندة بوغبا في الضغط بالقرب من خط التماس.



جزئية أخرى كان يمكن أن تساعد أكثر وهو محاولة تقليص واجبات تيفيز وموراتا الدفاعية، بدفاعها السلبي وربما كان من الممكن أن نشاهد أحدهما يقوم بمراقبة لاعب للاعب على بوسكيتس من أجل الحد من دوره في بناء اللعب.



الجزئية غير الناجحة في محاولات الضغط من قبل اليوفي، كانت أن الفريق منح برشلونة وقتا طويلا أمام الكرة، وهو ما كان برشلونة قادرا على الاستفادة منه، ومهاجمة يوفنتوس بكرات قطرية لمحاولة التوغل في دفاعه. تمركز فيدال أيضاً تم تعديله لاحقا في المباراة، بعدما كان غالبا يدافع بين خطي الوسط والهجوم من أجل منه ميسي أو بوسكيتس من الوصول للمساحة، لكن هذا جعل اليوفي يعاني  مشاكل بسبب تركه مساحات كبيرة لماركيزيو وبوغبا من أجل تغطيتها. تم تعديل ذلك وشاهدنا يوفنتوس يدافع أكثر بأربعة لاعبين في خط واحد بتراجع فيدال، وهذا جعل مهمة برشلونة أصعب.



* برشلونة لعب باستراتيجيته التي تعتمد على تبادل المراكز والتي ستكون مستقبل كرة القدم. على سبيل المثال يتحول راكيتيتش للمساحة التي يتركها ميسي على اليمين، عند تواجد ميسي في الوسط نجد الكرواتي يتحول كجناح لكن عندما يظل ميسي على اليمين يتقدم للأمام مباشرة كما شاهدنا في عملية الهدف. هذا أسلوب لا تستطيع أندية الدفاع أمامه بحكم أنه يبعثر أوراق الفريق الذي يواجهه ويجعله مضطرا لتغيير المراكز -لذلك نجد من يعتمد دفاع لاعب للاعب أمام برشلونة مثل ما فعل بايرن.



برشلونة وصل لما كان يسعى له بجعل دفاع اليوفي غير متماسك بعد تقدم إيفرا من مركزه بحكم تركيزه على مراقبة ميسي وبالتالي يترك مساحة خلفه –هذا أيضا ما فعله بالينزواغا ظهير أيسر أتليتيك بيلباو في نهائي كأس الملك أمام برشلونة- وبالتالي لا نستغرب تنوع اتجاه تحركات راكيتيتش، وتقدم بونوتشي للتغطية على إيفرا. الآن يوفنتوس يلعب بدفاع مكون من 3 لاعبين، مع مساحات عديدة بين خطه الدفاعي. وأيضاً سلبية  المهاجمين في الضغط أثناء الحالة الدفاعية (تيفيز كان سلبي أمام ميسي) جعل ميسي قادرا على لعب الكرة والتحول للطرف الأخر لألبا المتقدم على الطرف الأيسر لتقديم عمق أكبر للفريق.
 مع تحول يوفنتوس لـ 3-4-3، نشاهد وضعية 3 ضد 3 في منطقة جزاء السيدة العجوز. مثل هذه المواقف والوضعيات ناتجة من فضل محاولة اليوفي منع ميسي من القيام بهذه الكرات الطويلة وهو غالبا ما كان يقوم بلعب مثل هذه الكرات القطرية.



ألبا يتمركز على الجناح ثم تصل الكرة له ويمررها باتجاه نيمار الآن في منطقة الجزاء. بفضل كرة ميسي الطويلة، دفاع يوفنتوس متأخر قليلاً للتحول من جانب لآخر في الدفاع، مما يجعل بارزالي مجبراً على الضغط أمام نيمار مما يجعله يترك مركزه في قلب الدفاع ويفتح المساحة لبرشلونة الذي يستفيد منها. من يجب أن يكون ضاغطا على نيمار من أجل منع 2 ضد 1 أمام ليشتشتاينر هو أقرب لاعب وسط كلاوديو ماريكيزيو المتأخر عن هذه العميلة.
 بارزالي ترك المساحة لبرشلونة ولا يبدو أن هناك أحدا سيقوم بتغطية المساحة، بدلا من ذلك إنييستا ينطلق للاستفادة منها. ماركيزيو ركَّز على متابعة الكرة، بدل أن يتمركز قرب بونوتشي وترك بيرلو يغطي المساحة. تمريرة نيمار وانطلاقة إنييستا جعلت البرسا بلمسة واحدة قادرا على التفوق على بيرلو، ماركيزيو وفيدال أيضاً.
 4 لاعبين من اليوفي أصبحوا خارج الموقف تماماً وإنييستا حر في وضعية 3 ضد 2. بونوتشي يحاول أن يوقف إنييستا مما يجعل راكيتيتش حرا أيضاً يحكم التمركز السيء للاعبي يوفنتوس في هذا الموقف. وراكيتيتش سجل هدفاً بسيطا من هذه المسافة القريبة وبالمساحة التي يتواجد فيها.





*من الجيد هنا أن نعيد الحديث عن المساحات التي وجدها برشلونة في الوسط. تيفيز وموراتا تمركزا في وضع يتيح لهما الجاهزية في حالة إمكانية القيام بهجمات مرتدة وبالتالي دفاعهما كان سلبيا. لاعب الوسط كان عليه أن يعمل على تأمين الدفاع وعدم وجود مساحات هناك أمام ميسي وزملائه، وبرشلونة أخذ الأفضلية في المساحة بين الوسط والهجوم من أجل تمرير الكرة والاستحواذ.


بعد الهدف الأول قام برشلونة بما يمكن أن يقوم به برشلونة: تدوير الكرة وجعل الخصم يتحرك من أجل استعادتها والقيام بتمريرات قصيرة، هنا إنييستا يمكن أن يتراجع قليلاً للخلف ويقوم بالسيطرة على نسق المباراة.

يوفنتوس كانت لديه مشاكل كبيرة مع تحولات لاعبي برشلونة وتبادلهم المراكز. مبدئيا كان من المنتظر أن تكون الخطة 4-4-2 دفاعيا بشكل متماسك في منطقة الجزاء. لكن المواقف العديدة التي واجهوا فيها صعوبة، جعلت أي تحول يمكن أن يجعل الدفاع في وضعية مباشرة أمام هجوم برشلونة. بعد 20 دقيقة تم التحول في المباراة والدفاع بشكل أعمق مع تعديل دور فيدال.



حتى نهاية الشوط الأول، يوفنتوس يمكنه القيام ببعض الفرص من المرتدات الهجومية القليلة. عندما يسترجعون الكرة في منطقة دفاعهم، كان من الصعب أن يقوموا ببناء هجمة وبعيدين عن كسر دفاع الخصم. وعلى كل فبرشلونة لم يكن يهتم بخسارة الكرة في وسط الملعب، لكنه لا يترك فرصة لهجوم الخصم بالتفوق على دفاعه.





الشوط الثاني وضغط يوفنتوس



احتاج الأمر لفترة استراحة بين الشوطين ليعيد أليغري لاعبيه للمسار الصحيح. يوفنتوس تحرك للأمام  بعد الاستراحة ولعب بقوة أكبر وأزعج مبكراً. الـ 4-4-2 بخطوط على مستوى واحد لم تعد تظهر مما كان عليه الأمر في الشوط الأول؛ فيدال وبوغبا تواجدا غالباً في نصف ملعب الخصم.



مثل مباراة مدريد، كان يوفنتوس  قادراً على التعديل بتغيير شكل الفريق في الشوط الثاني. التغيير الأساسي كان تواجد إيفرا وليشتشتاينر أكثر على الأطراف والهجوم أكثر باتجاه العمق، من أجل مشاهدة يوفنتوس على الإبقاء على حضور أكبر في الملعب وتواجد لاعبين أكثر في الهجوم.

هذا جعل برشلونة يتراجع للخلف مما جعل أيضاً يوفنتوس يبحث عن طريقة للعودة في المباراة. بوجود الظهيرين في تمركز جيد والمساحات التي يتركها ميسي ونيمار خلفهما، يعطي  ثلاثي الارتكاز مساحة أكبر للتقدم خصوصا بيرلو وبوغبا.
 يوفنتوس وجد طريقه لمنطقة جزاء برشلونة أكثر، رغم أنه كان مجبراً على الدفاع بطريقة خطيرة من أجل تسجيل هدف التعادل. هذا الموقف قاد لهدف يوفنتوس بدأ من تمريرة داني ألفيش باتجاه الوسط؛ لكن يجب أن نركز على التوجه الهجومي لظهيري اليوفي. إيفرا (الدائرة الصفراء) يقوم بإضافة العمق وليشتشتاينر يلاحق نيمار من أجل الضغط عليه من الخلف. نلاحظ أيضاً تواجد قلبي الدفاع  في الوسط (الدائرة الحمراء) مما يظهر تحول اليوفي من الشكل الدفاعي الذي بدأ به المباراة لشكل هجومي مع دفاع متقدم -لكن لاحقاً فشل أمام المرتدات السريعة لبرشلونة مثل بايرن في مباراة ذهاب نصف النهائي.




*ما أضافه لويس إنريكي لهذا الفريق الرائع لبرشلونة، هو الخيارات الهجومية العديدة، خيارات تجعل برشلونة يستفيد من كل مهارات اللاعبين. اللوتشو طور مزيجاً بين بايرن هاينكس بتحولات  سريعة من الدفاع للهجوم وطريقة برشلونة غوارديولا في التحكم بالمباراة مع الاستحواذ على الكرة، مما جعل من الصعب الدفاع أمام برشلونة بحكم عدم القدرة على توقع ما ستواجهه أمامه.



هدفا برشلونة التاليين الذين حسم بهما النهائي والثلاثية سجلا تقريبا بنفس الطريقة، عبر الاستفادة من المساحات التي يتركها يوفنتوس فور خسارتهم الكرة بحكم تقدمهم للأمام ولعبهم بدفاع متقدم. لذلك برشلونة وجد الحل في الخيار الثاني لهجماته عبر المرتدات الهجومية أينما تم افتكاك الكرة بحكم تواجد المساحات، مؤكدين سرعتهم في الاستفادة من هكذا فرص.
 برشلونة في حالة الدفاع دائما ما يترك سواريز، نيمار وخصوصا ميسي في مركز هجومي، حيث يمكن لبرشلونة بسهولة أن يجد تمريرة عمودية أو قطرية لأحد لاعبي الهجوم. غالبا ميسي من كان يتواجد في وضع أفضل أمام الخصم،  وبرشلونة هاجم هكذا مع تواجد لاعبين كافيين لتشكيل خطورة على دفاع يوفنتوس.
 ميسي يستلم التمريرة ويبدأ الهجمة المرتدة ونيمار وسواريز بدآ انطلاقتهما بشكل عمودي لإبعاد دفاع اليوفي عن مرماهم، مما ترك مساحة كبيرة أمام ميسي.
  الآن نيمار ينطلق باتجاه ليشتشتاينر ثم يميل شيئا ما على اليسار لفتح مساحة أكبر لميسي الذي يتواجد في موقف 1 ضد 1 في مساحة كبيرة. لو استمر نيمار في الانطلاق باتجاه العمق لتواجد ليشتشتاينر معه مما يجعل ميسي أمام دفاع متماسك أكثر. وهذا يثبت التواصل الكبير وذكاء ثلاثي برشلونة.



ميسي راوغ بارزالي في موقف 1 ضد 1، مما ترك برشلونة وميسي في موقف 4 ضد 3. ميسي سدد باتجاه المرمى وبوفون تصدى لها لكن ارتداد الكرة وجد سواريز الذي أحرز الهدف. نرى أيضاً في اللقطة راكيتيتش الذي بدأ الهجمة المرتدة بتمريرته لميسي أيضا متواجد في منطقة الجزاء كخيار وأي أمام ميسي إن أراد التمرير وجاهز لارتداد محتمل للكرة. هدف يؤكد قوة برشلونة في التحول بين الدفاع بشكل متأخر، الضغط العالي، السيطرة والاستحواذ على الكرة والهجمات المرتدة أمام الخصم بهجمات مباشرة وسريعة. 

خلاصة

في النهاية، برشلونة استحق الفوز وكان أكثر ذكاء من الفريق الإيطالي الذي افتقد للتوازن في المباراة. لكن فوق كل شيء، البرسا أكدوا أنهم يمكن أن يقوموا بأكثر من التيكي تاكا فقط بعد الهدفين الثاني والثالث من مرتدتين مما يؤكد بصمة لويس إنريكي بعيداعن جودة اللاعبين.

للتواصل مع (شرف الدين عبيد) عبر تويتر  - اضغط هنا
@charafed09

وللتواصل مع شرف الدين عبيد عبر صفحته على الفيس بوك اضغط هنا
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا
abuiyad